لن يتردد الكثير من الناس في دفع البقشيش لنادل المطعم أو مصفف الشعر أو الساقي أو الحمال الذي يحمل حقيبة ثقيلة في الفندق. في العديد من البلدان هناك معايير واضحة وراسخة لهذا الأمر ، ولكن ماذا عن النادل في مقهى ستاربكس؟ أو الشخص الذي يأخذ طلبك عند طاولة الوجبات السريعة؟ ماذا عن كشك الخدمة الذاتية؟ أن تدفع إكرامية أم لا تدفع إكرامية؟ ماذا عن تاريخ البقشيش؟ وكيف بدأ ؟ وكيف أصبح في عصرنا الرقمي الحالي؟
تاريخ البقشيش: هدية الشكر التي تحوّلت إلى عادة عالمية
يعود أصل البقشيش (أو الإكرامية) إلى القرن السادس عشر في إنجلترا، حيث كان النبلاء يمنحون الخدم مبالغ صغيرة كمكافأة على خدمتهم. ثم انتشرت العادة في المقاهي الأوروبية تحت اسم "To Insure Promptness" (لضمان السرعة)، والتي اختُصرت لاحقًا إلى "TIP". ومع هجرة الأوروبيين إلى أمريكا، انتقلت ثقافة البقشيش وأصبحت جزءًا أساسيًا من التعاملات اليومية، خاصة في المطاعم والفنادق.
لماذا ندفع البقشيش ؟
في الوقت الحاضر يدفع الناس البقشيش لجميع أنواع الأسباب: للشعور بالرضا عن أنفسهم أو لإثارة إعجاب الآخرين أو لتعويض تدني أجور موظفي الخدمة أو لأنه يُطلب منهم ذلك. ويقول مايكل لين، أستاذ تسويق الخدمات في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يهتم بموضوع البقشيش إن البقشيش مدفوع في المقام الأول بدافع مساعدة النادل أو مكافأة الخدمة الجيدة.
فيما إن البعض الآخر يدفع البقشيش للوفاء بالتزام متصور بالبقشيش. ولا يزال آخرون يقدمون البقشيش لخدمة مصالحهم الشخصية. فهؤلاء الأشخاص يدفعون البقشيش من أجل الحصول على خدمة مستقبلية أو لتلقي التقدير الاجتماعي أو الاحتفاظ به، حسب لين الذي يؤلف حاليا كتابا حول هذا الموضوع بعنوان "سيكولوجية البقشيش: رؤى لموظفي الخدمة والمديرين والعملاء".
طرائف البقشيش حول العالم
تختلف تقاليد البقشيش من بلد لآخر، ففي اليابان يعتبر تقديمه إهانة، لأن الخدمة المميزة واجبة دون مقابل. أما في الولايات المتحدة، فيُعد البقشيش ضروريًا، حيث يعتمد العاملون في المطاعم على الإكراميات كمصدر رئيسي للدخل. وفي مصر، يُعرف البقشيش بـ"البَكشِيش"، وقد يتحول أحيانًا إلى طلب مباشر من العاملين!
ومن الطرائف أن بعض الزبائن يتركون بقشيشًا غريبًا، مثل عملات قديمة، رسائل شكر، أو حتى نكات مكتوبة على أوراق النقود. بل إن هناك من يمنح بقشيشًا "افتراضيًا" عبر منصات التواصل!
البقشيش في العصر الرقمي: من النقود إلى "التقييمات"
مع التحول الرقمي، تغيرت أشكال البقشيش، فأصبحت التطبيقات مثل "Uber" و"Deliveroo" تتيح خيار إضافة إكرامية إلكترونيًا قبل الدفع. كما ظهرت منصات تسمح بتحويل بقشيش عبر البتكوين أو حتى منح "لايكات" وتقييمات إيجابية بدلاً من المال.
في المقابل، أثارت هذه الظاهرة جدلاً، حيث يرى البعض أن البقشيش الرقمي يُستخدم أحيانًا كحيلة تسويقية، بينما يعتبره آخرون وسيلة عادلة لدعم العاملين في القطاع الخدمي.
ثقافة البقشيش: بين الامتنان والالتزام
رغم أن البقشيش يعبّر عن الامتنان، إلا أنه في بعض المجتمعات تحوّل إلى ضغوط اجتماعية، حيث يشعر الزبائن بأنهم مجبرون على منحه حتى لو كانت الخدمة غير مميزة. لذلك، ينصح خبراء الاقتصاد بضرورة توضيح سياسات البقشيش في الفواتير، أو حتى إلغائه وزيادة رواتب العاملين بدلاً منه.
ختامًا، سواء كان البقشيش تقليدًا قديمًا أو ميزة رقمية، يبقى تعبيرًا عن التقدير، لكن الأهم أن يكون خيارًا حرًا وليس التزامًا مزعجًا!
كما لا ينبغي أن يكون تأنيب الضمير سببا في دفع البقشيش. ويقول كاراباس: "البقشيش بدافع تأنيب الضمير يترك انطباعا سيئا لدى الزبائن ويجعلهم غاضبين ويثنيهم عن العودة إلى المطعم نفسه".